سورة إبراهيم - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


{قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (10)}
قوله تعالى: {قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ} استفهام معناه الإنكار، أي لا شك في الله، أي في توحيده، قال قتادة.
وقيل: في طاعته. ويحتمل وجها ثالثا: أفي قدرة الله شك؟! لأنهم متفقون عليها ومختلفون فيما عداها، يدل عليه قوله: {فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} خالقها ومخترعها ومنشئها وموجدها بعد العدم، لينبه على قدرته فلا تجوز العبادة إلا له. {يَدْعُوكُمْ} أي إلى طاعته بالرسل والكتب. {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} قال أبو عبيد: {مِنْ} زائدة.
وقال سيبويه: هي للتبعيض، ويجوز أن يذكر البعض والمراد منه الجميع.
وقيل: {مِنْ} للبدل وليست بزائدة ولا مبعضة، أي لتكون المغفرة بدلا من الذنوب. {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} يعني الموت، فلا يعذبكم في الدنيا. {قالُوا إِنْ أَنْتُمْ} أي ما أنتم. {إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا} في الهيئة والصورة، تأكلون مما نأكل، وتشربون مما نشرب، ولستم ملائكة. {تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا} من الأصنام والأوثان {فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} أي بحجة ظاهرة، وكان محالا منهم، فإن الرسل ما دعوا إلا ومعهم المعجزات.


{قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)}
قوله تعالى: {قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أي في الصورة والهيئة كما قلتم. {وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} أي يتفضل عليه بالنبوة. وقيل، بالتوفيق والحكمة والمعرفة والهداية.
وقال سهل بن عبد الله: بتلاوة القرآن وفهم ما فيه. قلت: وهذا قول حسن، وقد خرج الطبري من حديث ابن عمر قال قلت لأبي ذر: يا عم أوصني، قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما سألتني فقال: «ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلا ولله فيه صدقة يمن بها على من يشاء من عباده وما من الله تعالى على عباده بمثل أن يلهمهم ذكره». {وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ} أي بحجة وآية. {إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} أي بمشيئته، وليس ذلك في قدرتنا، أي لا نستطيع أن نأتي بحجة كما تطلبون إلا بأمره وقدرته، فلفظه لفظ الخبر، ومعناه النفي، لأنه لا يحظر على أحد ما لا يقدر عليه. {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} تقدم معناه.
قوله تعالى: {وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} {ما} استفهام في موضع رفع بالابتداء، و{لَنا} الخبر، وما بعدها في موضع الحال، التقدير: أي شيء لنا في ترك التوكل على الله. {وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا} أي الطريق الذي يوصل إلى رحمته، وينجي من سخطه ونقمته. {وَلَنَصْبِرَنَّ} لام قسم، مجازه: والله لنصبرن {عَلى ما آذَيْتُمُونا} به، أي من الإهانة والضرب، والتكذيب والقتل، ثقة بالله أنه يكفينا ويثيبنا. {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}.


{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (14)}
قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا} اللام لام قسم، أي والله لنخرجنكم. {أَوْ لَتَعُودُنَّ} أي حتى تعودوا أو إلا أن تعودوا، قاله الطبري وغيره. قال ابن العربي: وهو غير مفتقر إلى هذا التقدير، فإن {أَوْ} على بابها من التخيير، خير الكفار الرسل بين أن يعودوا في ملتهم أو يخرجوهم من أرضهم، وهذه سيرة الله تعالى في رسله وعباده، ألا ترى إلى قوله: {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا. سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا} [الإسراء: 76- 77] وقد تقدم هذا المعنى في الأعراف وغيرها. {فِي مِلَّتِنا} أي إلى ديننا، {فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ}. قوله تعالى: {ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ} أي مقامه بين يدي يوم القيامة، فأضيف المصدر إلى الفاعل. والمقام مصدر كالقيام، يقال: قام قياما ومقاما، وأضاف ذلك إليه لاختصاصه به. والمقام بفتح الميم مكان الإمامة، وبالضم فعل الإقامة، و{ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي} أي قيامي عليه، ومراقبتي له، قال الله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ} [الرعد 33].
وقال الأخفش: {ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي} أي عذابي، {وَخافَ وَعِيدِ} أي القرآن وزواجره.
وقيل: إنه العذاب. والوعيد الاسم من الوعد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8